الاثنين، 3 ديسمبر 2012

الديموقراطية .. الخدعة الكبرى ..


لا أعرف تحديدا من هو أول شخص خبيث حقا أراد أن يخدع شعبه بلباقة (كعادة الحكام الديكتاتورين) فإبتدع هذا المصطلح أو إستعاده من مزابل ذاكرة التاريخ للأمم البائدة منذ آلاف السنين .. فكلمة ديموقراطية أصلها أغريقي (ديموس كراتس) وكما نعلم فأن الدولة الأغريقية هي حضارة وثنية بائدة ظهرت في فجر التاريخ أيام أن كان البشر لايزالون يعتقدون أن الأرض يحملها ثور عظيم على قرنه وأن الشمس والقمر وجميع الأجرام تدور حولها! ثم إندثرت هذه الدولة وجاء بعدها الرومان وأعقبهم عدة دويلات بعد ذلك (إندثرت هي الأخرى جميعها) ... ثم جاء هذا الأحمق وأقنع العالم المتطور بأنها هي الإسلوب الأمثل لحكم العالم .. اليوم .. وفي القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد!

أتذكر تفكه العقيد معمر القذافي وسخريته من الكلمة عندما سأله أحد المحاوريين عن معنى الديموقراطيه فأجابه أن أصل الكلمة مكون من مقطعين (ديمو) (كراسي) إي أن الحكام الظالمين وأعوانهم الفاسدين يستطيعوا أن يديموا بقائهم على كراسي حكمهم المتعسف عن طريق إستخدام هذا الإسلوب المخادع والذي تستطيع أن تقنع شعبك بأن نظام الديموقراطية هو حكم الشعب للشعب! والبلهاء فقط هم من يعتقدون أن مبدأ كهذا قابل للتطبيق في الواقع بنجاح!
كتبوا عنها كثيرا وألفوا فيها المؤلفات ووضعوا النظريات وأسهبوا في وصف جمالها وكمالها كذبا وخداعا .. وروج الإعلام الفاسد لهذه النظريات كثيرا .. وشغلوا الشعوب في صراعاتهم حولها .. لدرجة إنك إذا سألت إي شخص عادي في الشارع الآن ماهو أفضل نظام سياسي وماهي أفضل طريقة لحكم البشر؟ سيرد عليك بلا أدنى تردد أو تفكير ليخبرك بأنها بالطبع (الديموقراطية) وهو الرد المحفوظ دائما في الذاكرة من كثرة ما سمعت عنه.


وتعتمد الديموقراطية على فكرة غبية بسيطه وهو أن الحكم ليس لأي فرد ولا لمجموعة بعينها ولا حتى لأحزاب أو طوائف الشعب بل وليس لله! إنما الفيصل الوحيد والمعيار المتفرد هو (صناديق الإقتراع) فقط! إي شيئ يريد الحاكم أو حكومته تريد أن تفعله فلاشرعية لذلك إلا من خلال تلك الصناديق (السوداء). بغض النظر عما إذا كان هذا الشيئ الذي تستفتي فيه الناس حسنا أم سيئا .. حلال أم حرام .. ممكن أو غير ممكن .. جائز أم غير جائز أصلا! وبغض النظر عما إذا كان من تستفتيهم أصلا عندهم من العلم والإلمام بطبيعة هذا الموضوع وأبعاده وتفاصيله وتبعاته أم أنهم تم خداعهم من خلال إعلام موجه روج لهم قبل ذلك بأن الوهم حقيقة وأستغل بساطة عقولهم ليدفعهم للسير في الإتجاه الخبيث الذي يريده الحاكم وقد إستغل سذاجتهم فقط ليعطي لقراره المشروعية التي أرادها!


تحت مظلة الديموقراطية المزعومة هذه لا يكون الحكم للشعب كما يدعون إنما يكون الحكم الفعلي هو للجهة التي تستطيع أن تحشد أكبر قدر من أعداد المصوتين .. عن طريق رشوتهم بالمال أو بماديات وعينيات أو ببساطه عن طريق فرض سلطتها وسطوتها عليهم وإرهابهم وتخويفهم! وممارسات الحزب الوطني (الديموقراطي) البائد ليست عنا ببعيد وألاعيبه وتفانينه في تطبيق هذه الديموقراطية الخادعة.

ومن المفارقات العجيبة أن تجد نفسك أمام الخصم والحكم في نفس الوقت!فالحكومة التي من المفترض أنها تستفتي الشعب هي نفسها من تقوم بفرز الأصوات وإعلان نتيجة الإقتراع بدون أن يشهد أحد من ممثلي الشعب هذه العملية! إن هذا هو التزوير بعينه أو ما أسميه الإستعماء. ويذكرني هذا بمشهد من مسرحية محمد صبحي الشهيرة "وجهة نظر" حينما جمع مسئول المركز العميان جميعهم وطلب ممن يعترض أن يرفع يده فبعد أن رفع جميع العميان أيديهم رد عليهم المسئول يقول "لا أحد يعترض سواك؟!" فظن كل واحد منهم أنه هو الوحيد المعترض الرافع يده. ثم توعده المسئول بالتهديد والوعيد وبمعاقبته لأنه هو من يقوم بإثارة الفتن والمشاغبات بين زملائه فأسرعوا جميعهم بخفض أيديهم حتى لايقعوا تحت طائلة عقاب المسئول وتنفيذ تهديداته وبالطبع فقد كلا منهم الثقة في زملائه جميعا وظن في نفسه أنه هو المخلص الوحيد بينما البقية خونة جبناء عملاء!
إنها حقا مهزلة سواء تلك الفكرة المزعومة أو آليات تنفيذها المليئة بالثغرات والفجوات ..

هل يمكن مثلا أن تقوم الدولة بعمل إستفتاء بين الشعب لترى إذا كنا سنقيم صلاة العصر أم لا؟ وإذا حدث هذا فهل يمكن أن نتصور أن نتيجة الإستفتاء ستكون لا في دولة معظم شعبها مسلم ومتدين؟ !! هذا ما يمكن أن يحدث بسهولة في ظل النظام الديموقراطي المزعوم وسيراه العلمانيون أنه الإستفتاء الأكثر قربا لروح العلمانية السامية والليبرالية في أروع معانيها!!


"كل الناس سواء" هي كلمة حق يراد بها باطل فالواقع أنه ليس كل الناس سواء ويوجد بينهم من الفروقات مالا يعد ولا يحصى فهناك الرجل والمرأه الغني والفقير الأسود والأبيض المؤمن والكافر العبد والحر الصغير والكبير العاقل والمجنون العالم والسفيه الذي يفهم والذي لايفهم هذا في الظاهر بينما في الباطن فروقات أكبر وأعظم كالمشاعر العاطفية والأهواء الشخصية والحالات الإنفعالية .. الذين لهم مصالح شخصية والذين لاناقة لهم ولا جمل .. لكن من العجيب أنك تجد أن الديموقراطية تجمع كل هؤلاء في صندوق واحد وتساوي بين رأي كل هولاء وجميعهم رأيهم عبارة عن صوت إنتخابي واحد ولا وزن نسبي لمدى رجاحة عقلهم! ولا فضل حينئذ لأعرابي على عجمي ولا لأسود على أبيض ولو حتى بالتقوى!


قال أحد اللوردات الإنجليز : "لو أن رأي الأغلبية هو الأصلح لكان رأي عشرة من الحمير هو أفضل من رأيي أو رأيك في قضية ما!" وليس في هذا عنصرية أو إستعلاء طرف على طرف ولكنه ببساطة حقيقة ما فطرنا الله عليه وهو خلقنا هكذا .. فالله دائما يدفعنا لأن نستوعب الفرق بين الصغير والكبير بين الغني والفقير بين العالم والجاهل بين القوي والضعيف .. والأحكام الشرعية نفسها تفرق بين واجبات وحقوق الشخص في المجتمع تبعا للظروف المختلفة وعلى حسب الإختلافات بين البشر .. وكم خاطب الله أولو الألباب كثيرا والذين يعقلون.


إنكم إذا إستطعتم أن تسدوا جميع ثغرات الديموقراطية وتتفادوا جميع عيوبها ومسالبها وتفرضوا رقابة صارمة على جميع خطوات الإقتراع والفرز وتمنعوا الفساد والرشاوى وتنمنعوا الإعلام الموجه من التأثير على رأي الناخبين فكيف بالله عليكم أن تحلوا هذه المعضلة؟ كيف ستساوي رأي من يعلم بمن لا يعلم؟ الذي يفقه والذي لايفقه؟ الأمي والمتعلم؟ المثقف والجاهل؟ !! ويكون الحكم للتفوق العددي البحت عملا بالمثل القائل "العدد في اللمون"!!


لو أن مريضا يموت ونريد علاجا فعالا لإنقاذه فإننا نجمع بعض الأطباء المشهود لهم بالخبرة والكفاءة ويتم التدوال بينهم (كونسولتو) وقد يحدث بعض الخلاف في وجهات النظر بينهم فهذا ينصح بعملية جراحية فورية وهذا يعتقد أن بضع أقراص من دواء فعال كافية وبعضهم ينصح بمجرد حقنة .. ولكن تأكد من أن الرأي الذي سيستقر عليه أغلبهم بعد الحوار هو أفضل رأي وأفضل علاج لإنقاذ هذا المريض قبل أن يموت. هنا قلنا مجموعة من الأطباء الحكماء هم الذين يتشاورون في المشكلة الطبية ولم نقل أننا سنجمع أراء الأطباء والممرضات والعاملين في المستشفى والمرضى الأخرين وربما بعض عمال الصرف الصحي الذين تصادف وجودهم في المستشفى وقتها لإصلاح عطلا ما .. لنحدد العلاج الأفضل بناء على رأي الأغلبية! لأنك إذا فعلت ذلك سوف تخرج بنتيجة مفاداها موت المريض المحتم لأنك أشركت في الأمر من هو ليس مؤهل لللإدلاء بدلوه فيه.


ناهيك عن قلة الأدب وتطاول السفهاء على الحكماء ونابي الألفاظ التي يستخدمها العامة في الأسواق تجدها مطروحة على أذنك على طاولات الحوار وأمام عينيك على صفحات الجرائد والإتهامات بالعمالة والخيانة بل وبالكفر لكل من تسول له نفسه بأن يعارض رأي أو يكون له وجهة نظر مخالفة وكم من حرمات إنتهكت وأعراض خيض فيها بحجة حرية الرأي وإشراك السفهاء في الحوارات لأن هذا هو حقهم الذي كفلته لهم تلك الديموقراطية التعيسة .. !!


مالحل وما البديل؟

الشورى. برغم أن العلمانيين يحاولون إقصائنا عن ديننا كثيرا ويقنعوننا بأنه لادين في السياسة كما أنه لا سياسة في الدين .. مما دعاهم لإهدار كل ماورد في الدين من حلول قيمة وفعالة لجميع مشكلاتنا الحياتية حتى السياسي منها! إن ما حدث في ثقيفة بني ساعدة لهو أقرب مثال على مبدأ الشورى وكيفية تنفيذ آلياتها في المجتمع الرشيد. حينما إجتمع الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ونفر من عقلاء وأعيان المدينة وتشاوروا بينهم فيمن سيخلف النبي بعد وفاته ثم أستقر رأيهم على سيدنا أبو بكر بايعه جميعهم ثم خرجوا للناس والعامة بعد أن أستقر رأيهم بعد ذلك فبايعه الناس جميعهم أيضا وبذلك درئت فتنة عظيمة كانت يمكن أن تتسبب في تشتيت الأمة وحدوث ما لا يعلم مداه إلا الله.
الشورى هي أن يجتمع نفر محدود من عقلاء الأمة والمشهود لهم بالإخلاص والكفاءة والأمانه وتنزههم عن الأهواء والمصالح الشخصية وبتفويض من الشعب وهم من يقررون للأمة كلها ويحددون مصالحها وإتجاهاتها وهم من ينوبون عن الشعب في حكم الشعب ولا حاجة لنا بصناديق الإقتراع حينئذ.

محمد مصطفى

ليست هناك تعليقات: