الثلاثاء، 5 يوليو 2011

المقربون والمبعدون


الناظر والمتدبر في تصاريف الله في خلقه يمكنه أن بستنبط بعض السنن الكونية الراسخة. والسنة الكونية هي عبارة عن منهج إللهي وقانون محدد يسير الله به مجريات أمور معينة. قد يعجز بعض البشر عن فهم الحكمة في أمر معين ويستغربون ويستعجبون. بل وقد لايفهمون قول أحد العارفين بأن ماحدث هو أمر طبيعي ولا شيئ يدعو فيه للعجب .... فهو سنة كونية!!!

من السنن الثوابت والتي قد لايفهمها البعض أحيانا في البداية هي سنتي الترقية و الإملاء... فقد قسم الله عز وجل البشر إلى عدة أنواع فمنهم الصالح و الطالح ومنهم المؤمن و الكافر ومنهم الطائع و الجاحد... وهذا كله بناء على أعمالهم وما وقر في قلوبهم وقد إطلع الله على مافي قلوبهم وهو أعلم بمافي السرائر سبحانه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.... كما أنه لا منازع له في حكمه فهو الذي يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء يغضب ويصفح عمن يشاء... يذل ويرفع ولا يستطيع أحد أن يسأله لماذافعلت كذا وكذا يا رب؟ فهو المتصرف الوحيد والفعال لما يريد ....

تجد من العباد من أحبه الله ... فهو يتجاوز عن خطايا عبده ويجزيه خير الجزاء في الدنيا فيرقيه وفي الأخرة يهبة حسن المنزلة .... وفي هذه الحالة قد تجده يطبق مع عبده سنة الترقية لكي يرفع من قدره ويقربه إليه أكثر بل ويساعده على النجاح في الإختبار.... فأذا أراد ربك بعبد أن يرقيه من حال إلى حال أفضل وينعم عليه ... قد يعرضه في البداية لبعض الشدائد والصعوبات ربما ليمتحنه .... ربما لينقيه من ذنوب معينة .... ربما ليرفعه درجات .... وربما ليؤهله للمكانة الجديدة التي أرادها له فيدربه ويعلمه ويمرنه .... وكأمثلة على ذلك:

1- ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم في عام الحزن فقد توفي عمه أبو طالب الذي كان يمثل له الحماية والمنعة من كفار قريش... ثم توفيت زوجته خديجة رضي الله عنها والتي كانت تمثل له الإستقرار الأسري ودفء البيت والإستقرار المادي... ثم يتوقف هبوط الوحي لفترة طويلة والذي كان يطمئن النبي صلى الله عليه وسلم -لاحظ مدى تأثير كل هذه الأمور على نفسية بشر- ثم يزداد ضغط الكفار وإيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ويحاصرونه في شعب أبي طالب بل ويتعرض النبي للمزيد من الأذى ويلقي عليه الأطفال الحجارة حينما حاول أن يدعو في الطائف .... وقد تحمل النبي الكريم الكثير والكثير من المحن والإبتلاءات ولكن النبي لم ييأس ولم يقنط من روح الله وإنما دعى "اللهم إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي" ....

أنظر إلى كل هذه الظروف الصعبة والمحن والشدائد... هل نختلف في حب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم؟ حاش لله بالطبع ... نعم إنه يحبه ولكنه أراد لهذه الظروف أن تنقطع به أسباب البقاء في مكة ... لأنه لو أن كان كل شيئ كان على مايرام ولم تحدث كل هذه الصعوبات فلم يضطر إلى أن يغادر مكة ويهاجر للمدينة؟ حيث يؤسس للدولة الإسلامية الجديدة التي سينطلق منها فيما بعد جيوشا عظيمة مؤهلة لكي تفتح العالم وفيها يصير النبي الحاكم في المدينة وتصير إليه مقاليد الأمور ويرسي قواعد الدولة الجديدة ... فلو كان بقي في مكه لنازعه الحكم كفار قريش وضايقوه وأذوه ... عندما ننظر للصورة الكبرى نجد أن كل المصائب التي حدثت إنما كانت هي فقط بمثابة عنق الزجاجه التي تخرجه إلى العالم الواسع والأفضل فيما بعد بدلا من البقاء في الوضع لأول الذي كان لا يؤدي للهدف المطلوب .... ثم أراد الله أن يثبت نبيه فأنزل عليه سورة يوسف لما فيها من عظة وعبرة كبيرة تؤكد هذا المعنى وهذا ما سيتضح من المثال الثاني:

2- في قصة سيدنا يوسف عليه السلام عظة وعبرة كبرى فيوسف الطفل أخذه أخوته فألقوه في البئر ليتخلصوا منه غيرة منهم... ما هذا؟ طفل صغير بتعرض لهذا الموقف وممن ؟ من إخوته؟ أليس في هذا مشقة كبيرة على طفل صغير؟ ولكن الله أراد أن ينقله ليعيش في الحضر بدلا من البدو ويتربى في بيت أحد الكبراء منعما ومرفها ولكي يتعلم ويفهم تقاليد السياسة والحكم في بيت العزيز الذي أحسن مثواه إي أن الإلقاء كان بمثابة عنق الزجاجة للخروج إلى دنيا أوسع وتمهيدا لتدريبه على مهمته المقبلة....

ثم أراد الله أن ينقله نقلة أكبر ويصبح هو حاكما على مصر فلو كان قد لبث في بيت العزيز فما الذي يمكنه أن يحدث حتى يتمكن يوسف من أن يصبح ملكا؟ ... كان لابد من عنق زجاجه ومصاعب جديدة يمر بها حتى تحدث عملية الترقي المطلوبة وكان عنق الزجاجة في هذه المرة هي حبسه في السجن بضع سنوات لكي يقابل هناك من يوصله للملك وتمضي أحداث القصة المعروفة حتى النهاية السعيدة....

أضرب مثلا بالأنبياء لأنهم أشد الناس بلاءا ثم يأتي بعدهم العلماء فالصالحين ثم العامة ويختبر كل واحد على قدر مقامه وعلى قدر تحمله ....
أما عن سنة الإملاء فالله قد يغضب على عبد فيستدرجه بل ويملي له ليعطي له مجالا أكبر ليخطئ ويخطئ أكثر حتى إذا أخذه ... أخذه أخذ عزيز مقتدر .... بلا مقدمات وبلا مصاعب وشدائد مسبقة يمر بها ... كما حدث في قصة فرعون سيدنا موسى وكما حدث في قصة قارون....

إذا وجدت بعض المصائب والأحزان تواجهك فإستبشر فأنك مقبل على ترقية .... وإذا وجدت أنه منذ فترة و كل شيئ يسير على مايرام ووفق هواك وليس هناك ما يعكر صفوك! فتوقف وأحذر وأعد حساباتك ولتخشى أن تأخذك سنة الإملاء والعياذ بالله

سئل أحد العارفين: هل أثنتك عن طريقك المصاعب والمحن التي تعرضت لها؟ فأجاب: لولا المحن لشككت في الطريق....

نسأل الله أن يجعلنا من المقربين الذين يرضى عنهم ويرقيهم ويستخلفهم ويستخدمهم ونعوذ بالله من أن يجعلنا من المبعدين الذين يغضب عليهم فيستدرجهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر....

من وقع في ضيق وظن أن الله قد حرمه من شيئ يحبه أو منع عنه شيئ فعليه أن يتحلى بالصبر والحكمة .... لو فهم الناس الحكمة في المنع لصار المنع عين العطاء (مقولة لإبن عطاء السكندري) فالله سبحانه وتعالى ما منع عنا شيئا إلا ليعطينا ماهو خير منه.... ولكننا وبكل أسف ولقلة فهمنا نحب أمور ونكره أمور .... وللأسف أيضا قد يتعلق قلبنا بما ليس فيه خير لنا وقد نزهد فيما هو فيه خير لنا ولكننا لانعلم ... وقد تمر علينا مواقف نستصعبها ونعتبرها شقاء وحزن لكن لو علمنا ما سيأتي لنا من خير بعدها لسلمنا بقضاء الله بكل نفس راضية (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسر) ... ولكن هذه حكمة بالغة لا نصل لها إلا بعد طول عهد وخبرة مع الله .... من يؤته الله الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.....

نعم فالإبتلاء يأتي بالخير .... وقال بعض العلماء أن كل عسر يأتي بيسران ... يسر معه لقوله تعالى (إن مع العسر يسرا) ويسر بعده لقوله تعالى (سيجعل الله بعد عسر يسرا) فهنيئا للمعسرين لما سيأتي لهم من فرج بعده.
ولمن أراد أن يناجي ربه ليكشف عنه البلاء فعليه أن يعرف أهمية الدعاء ... فقد قال بعض العلماء أن الله قد يؤخر الفرج بعض الوقت لأنه يحب أن يسمع دعوة عبده ... وقد قال المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء ... وقيل أن الدعاء يرفع البلاء ...

وليعلم أن دعاءه في هذه الحالة سيكون مستجاب إن شاء الله (أفمن يجيب المضطر إذا دعاه) ولكنه عليه تعلم فن الدعاء المستجاب ..... من أحلى الأوقات التى تمر على العبد هى ان يبتليه الرحمن الرحيم بأى بلية حتى لو كانت هما او غما فيتذكر ويهرع الى الله فى ظلمات الليل وبأسحار الفجر يتوسل إليه ويرجوه ويناجيه ويشكو اليه فأذا به يكتشف ان الكريم المنان أشتاق اليه .. أشتاق الى قيامه ودعاءه ودموع عينيه .. ويدرك كم انه كان بحاجه الى هذا التضرع والبكاء حتى يغسل روحه ونفسه .. فيخرج بعدها وقد هدأ فؤاده وسكنت جوارحه سعادة وحب وراحة بقرب الله عز وجل فيا لها من نعمه تأتينا بين ثنايا المحنه شريطة ان نتنبه لها. عندما تبتلى بشىء فيما بعد فأرسم ابتسامه جميله على محياك وأفرح فإن الله يناديك .. حبيبك ينتظر مناجاتك وقت السحر .. و ياله من لقاء رائع ... نعم ما أحلى لقاء الحبيب ... ويالنا من مقصريين ... شغلنا أنفسنا بما خلقه لنا فألهانا عن ما خلقنا من أجله ... وياله من رب حنان منان يتودد إلينا برغم تقصيرنا .... ما حل بلاء إلا بمعصية وما رفع إلا بتوبة ... اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك.

محمد مصطفى

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

buy tramadol overnight tramadol online pharmacy usa - tramadol pictures