الخميس، 25 ديسمبر 2008

الكارت في القميص

حدث في أحد الإيام الخوالي - وذلك قبل زمن التليفون المحمول - أن رغبت في إدخال خط تليفون أرضي فوري ...وكان هذا لشقة سكنية بمنطقة الهرم. ونظرا لما أشتهر به هذا السنترال من كثرة الإزدحام وعدم توافر الخطوط لدرجة أنهم أخبروني أن قائمة الإنتظار طويلة جدا وتمتد إلى ثمانية سنوات مضت وذلك لطلب خط التليفون العادي, وإلى ثلاثة سنوات فقط إذا كنت محظوظا وتوافرت الخطوط وينبغي عليك دفع مبلغ ألف جنيه إضافية ويسمونه في هذه الحالة بالطلب المستعجل أو الخط الفورى (هذا أسم مجازي فقط ولم يكن له إي علاقة بسرعة الإستجابة أو فورية التركيب) ولكن نظرا للحاجة للتليفون وعدم توافر بدائل أخرى فقد جهزت الألف جنيه وبقية الأوراق المطلوبة كما حاولت الإستعانة بجميع الحيل والوسائل التي يمكن أن تسرع من تركيب الخط. وأعددت قائمة بهذه الحيل التي يتحلى بها الشاب المصري الذكي وكان من أبرزها تطبيق مبدأ تفتيح الدماغ وتمشية الحال...وكذلك وهو المهم البحث عن الواسطة المناسبة... وقد وفقني الله تعالى إلى أن إستطعت أن أحصل من أحد أقاربي الواصلين على كارت من الكروت التى تفتح لها الأبواب المغلقة وموجها لمدير سنترال الهرم شخصيا .... طرت من الفرح بهذا الكارت ولم أتوقف كثيرا عندما سمعت قريبي يقول لي "مش هتحتاجه" !! ولكن سرعان ما أدركت ماذا كان يعني بهذه الكلمة !


ذهبت في اليوم الموعود مبكرا بعد أن أخذت أجازة من عملي وقد حشدت في جيوبي كميات من الجنيهات السائبة وبعض الفكة لزوم مبدأ تفتيح الدماغ وتمشية الحال وقد وضعت الكارت في جيب القميص كما دفعته قليلا لأعلى ليكون أول ما تقع عليه عين من يراني وبالتالي يفتح لي مغاليق الأبواب..... وقد لاحظت خلوا نسبيا في المكان من الجمهور مما دفعني لأن أشك هل اليوم عطلة مثلا أو السنترال مغلق للصيانة؟ !!! أين ذهب هذا الإزدحام الرهيب والطوابير التي كانت تمتد أحيانا بطول المئات من الأمتار خارج السنترال....قلت في نفسي على إي حال يبدو أني محظوظا اليوم ولن أضطر كثيرا للوقوف بالطوابير... ثم أخذت طريقي إلى داخل المبنى حيث قاعة المعاملات وأخذت أتلفت يمنة ويسرى لأرى أين سأقدم الطلب... ووجدت أحد السعاة قريبا مني فسألته أين أقدم طلب الفوري؟ وقبل أن أكمل سؤالي وجدته يشير بيديه إلى طرقة صغيرة تؤدي إلى غرفة كبيرة وقد وضعت عليها لافتة مكتوب عليها "مدير السنترال" ... تعجبت من أمر هذا الساعي الفطن الذي لم يمهلني لكي يسمع بقية سؤالي وعرف بسرعة أن مقصدي هو المدير... هل لمح الكارت في القميص مثلا؟ وهل قرأء بسرعة التوصية التي عليه؟ كم هم أزكياء هؤلاء السعاة!


دخلت حجرة المدير وبدأت أتلفت لأري أين المدير ولاحظت بعض الزحام في هذه الغرفة فأدركت أن السنترال غير معطل اليوم فهذا الجمهور يعني أن السنترال يعمل فأطمئن قلبي ومما ذادني طمأنينة أني سمعت أحد السعاة يصيح على ويقول "أقف في الطابور يا أستاذ" فأدركت على الفور أن هذه هي البداية الصحيحة. فتوجهت اليه على مهل ورفعت الكارت لكي يبرز أكثر من القميص حتى كاد أن يقع على الأرض... ثم دسست يدي في جيبي في حركة مشهورة يفهم مغزاها ولاد البلد وتعني أني شاب مفتح وبحب أمشي أموري.... ثم ملت على أذنه بصوت خفيض قائلا "عاوز أقابل المدير"...فوجئت به يصيح بأعلى صوته (رغم قربي الشديد منه) قائلا "ماهو كل اللي قدامك دول عاوزين يقابلوه" في حركة مسرحية وكأنه ينفي عن نفسه تهمة...ثم عاجلني قائلا "يلا أقف في الطابور بسرعة متعطلناش" ...ولم أجد حينها بدا من الإنصياع لأوامره الحادة ..فلملمت ما بقى لي من كرامة ودفعت الكارت حتى أختفى في جيب القميص تماما ثم إنسحبت منكسرا لأخر الطابور وأخذت مكاني وأهبت نفسي للإنتظار.... ويبدوا أن منظري حينها كان يدعو للشفقة مما دعا سيدة عجوزا كانت تقف أمامي لأن تلتفت لي وتطيب خاطري بكلمتين وقالت لي "ما تقلقش يابني كلها عشر دقائق" فقلت في نفسي " خلاص اليوم كده طار...عشر دقائق من بتوعهم مش أقل من ست ساعات من بتوع الساعة!" وشكرت السيدة بأبتسامة وقلت لها "ربنا يسهل يا حاجة"....


وتبين لي بعد ذلك أن السيدة لم تكن تحاول أن تطيب خاطري فقط أو تقول إي كلام فما هي إلا بضع دقائق فعلا ووجدتني أمام مكتب المدير.... رفعت الكارت جدا وأصلحت هندام ملابسي.... ورسمت على وجهي إبتسامة عريضة وقلت له "صباح الخير يا فندم" وأخرجت الكارت من جيبي ووضعته على ملف طلبي وسلمته له.... لاحظت أنه لم يأخذ باله من الكارت وفتح الملف وبدأ يراجع الأوراق ثم رفع رأسه لي وسألني "معاك الفلوس؟" قلت له "جاهز يا باشا" فنادى على أحد الموظفين وقال له" يا أحمد تطلع مع الباشمهندس توصله الخط فورا وتكلمني تطمني من هناك" ثم سألني "معاك عربية؟" قلت له "أيوه يا باشا" فقالي "ممكن ترجعهولي على طول؟"ويقصد أحمد فقلت له "طبعا يا باشا !" تم هذا كله وسط زهول شديد مني وربما عدم إستيعاب الأحداث جيدا...ماهذه المعجزة التي حدثت اليوم بحيث أذا صدق هذا الرجل سيدخل الخط والحرارة للتيلفون في شقتي في خلال سويعات قليلة؟ !!! وما الذي دفع هذا الرجل ليفعل ذلك معي؟ أقسم أنه لم يرى الكارت وأنه إنزلق من على الملف إلى طاولة المكتب وتبين لي بعد ذلك أن هذا كان من حسن حظي لأنه لو كان رءاه لكانت مشكلة كبيرة جدا, فهذا الرجل لايحب الواسطة أو المحسوبية وتبين لي أيضا أن هذا مايتم مع كل من يقف في الطابور أيضا حتى لو لم يكن معه إي كروت!!. وبالفعل دفعت جميع المصاريف وأكملت تقديم الأوراق في الشبابيك المخصصة بالصالة وأحمد إلى جواري وأحضر العدة من الخزن وأخذ عاملا معنا لتمديد الإسلاك وخلافه وأنطلقنا إلى الشقة وماهي إلا ساعة زمان وكانت في شقتي مايسمى بالتليفون الفوري ولكن الأسم هذه المرة كان على مسمى حقا!!!


ونحن في طريق العودة تجاذبت أطراف الحديث مع أحمد والعامل وحينما أبديت لهم تعجبي من أنتهاء اللإجراءات والتركيب وتوصيل الحرارة بهذه السرعة وأن هذا لم يكن يحدث من قبل ....أخبراني "أن ده بيحصل مع كل الناس دلوقتي ....اللي عايز الفوري بيدخله في نفس اليوم" يبدوا أن جميع مشاكل سنترال الهرم قد حلت !! "الراجل ده كويس قوي... عنده ضمير وربنا يباركله" وأنه في خلال فترة قصيرة جدا أستطاع أن يحل مشكلة سنترال الهرم وطبق قانون عدم إدخال أكثر من خط منزلي للشخص بمنتهى الحسم وأتضح أنه كانت هناك عدد كبير من الخطوط المحجوزة والمنسية والمخصصة للمعارف ولكبارات البلد ولكن الرجل لغى كل هذا وطور معدات وتجهيزات السنترال بحيث تضاعفت عدد الخطوط في مدة ثلاثة أشهر فقط! مما سمح بتخفيض قائمة الإنتظار للناس وفعلا أستطاع الناس العاديين "اللي مالهومش واسطة أن يكون عندهم خط تليفون من نفسهم"... هذا علاوة على حسمه الشديد في التعامل مع الموظفين المتسيبين والمستهترين مما لغى تكدس الجمهور على شبابيك المتعاملين, وطبعا لم يعد هناك شيئ يسمى رشوة أو إكرامية لدرجة أن العامل رفض بشدة أن يأخذ مني عشرة جنيهات (حلاوة الخط) أردت أن أدسهم في جيبه... وقالي "يا بيه الراجل الجديد ده مخلينا مش عايزين حاجة دا أحنا دلوقت بيصرف لينا علاوات عمرها ما حصلت من ساعة ما أشتغلت في الهيئة!"


وقفت كثيرا عند هذه القصة وطالما تذكرتها كلما أحتجت لتخليص بعض الإجراءات في إحدى الجهات الحكومية وكلما وقفت في طابور على شباك أحد الموظفين الذين لم يلتزموا بعد.... كنت دائما أقول أن رجل واحد قدر يصلح سنترال كامل كان بايظ...لسه فيه أمل أن الحال ينصلح في البلد كلها... الراجل معملش حاجة غير أنه شاف الفساد كان بيجي منين وحاول يسد عليه كل باب... فتح بابه للناس وبيحل مشاكلهم بنفسه...الموظفين بيخافوا منه وبيعملولوا الف حساب وما ينفعش موظف يسيب الناس ملطوعة أدامه وهوا بيتكلم في التيفون أو لسه بيفطرمثلا.... اللي بيشتغل منهم كويس بيصرفة علاوات مشجعة جدا وتخليه مش محتاج لرشوة أو لأى فلوس حرام.... بيتعامل مع الناس بإحترام أصلهم مش عبيد عنده....أول واحد بيدخل السنترال الساعة ستة الصبح وأخر واحد بيطلع منه..... ياه أنا لو أقعد أحكي عن الراجل ده من هنا لبكرة مش هعرف أوفيه حقه اللي شفته بعيني واللي أتحكالي عنه...فعلا ربنا يكرمه ويكتر من أمثاله....


.سرحت بخيالي شوية وقلت ياترى إيه اللي ممكن يحصل في البلد لو كل مسئول عن مصلحة حكومية كان زي الراجل ده؟ لو راجل واحد يعرف يصلح نفسه ويصلح اللي معاه.... ياه دي كانت البلد كلها أنصلح حالها وكنا شربنا ميه غير الميه وأتنفسنا هوا غير الهوا ومشينا في شوارع غير الشوارع.... ياه دا كان ممكن تشوف الناس ماشية بتبسم لبعض في الطريق وفي المواصلات ويمكن كمان كانت مشكلة المرور والإزدحام إتحلت والعمران أتسع والمشاريع الزراعية والصناعية كبرت وإمتدت وكان الشباب العاطل لقوا شغل والبنات إتجوزت وكان كمان العيال بيتعلموا في المدارس.... ياه دا كان زمان السلع أتوفرت والأسعار إنخفضت والمرتبات ذادت والضرائب أتلغت والمغتربين رجعوا والأسر أتلم شملها وكانت الناس تعيش في رفاهية وفي راحة بجد..... كل ده كان ممكن يحصل.... تصدقوا أه .... لو حاربنا الفساد لو الناس بطلت رشوة ومحسوبية لو الناس راعت ضميرها وأتقت ربها لو كل واحد بطل أنانية وجشع وفكر إزاي ممكن يبدع في عمله وينتج.... ساعتها بس هتشوف بلد غير البلد وناس غير الناس.


بيصعب عليا جدا أن للأسف الناس مش فاهمه أهمية ده وكل واحد بيقولك وأنا مالي ما هو النظام كله كده...يعني أنا اللي هصلح الكون؟ ولا هيا جت عليا ووقفت! ياعم خلينا نسترزق ....أصل الحياة بقت صعبة وتكاليف المعايش ياما دلوقتي... طب يا إخوانا ماهو أنتم اللي مصعبينها على نفسكم وأنتم اللي مغلين الأسعار كمان... فين الرجالة اللي بجد؟ فين الضمير وفين الأخلاق.... منفسكش تاكل لقمة حلال ويكون ضميرك مرتاح؟ حارب الفساد بكل قوتك... حاربه حتى لو الحرب ضده طولت ولو حتى مش عشانك إنما عشان ولادك وأحفادك يتولدوا في جو أحسن مننا ويدعولنا أننا أنقذناهم لحسن لو العملية أستمرت بالشكل ده مش عارف هترسى على إيه وساعة لما العيال تكبر عيعرفوا يعيشوا ولا هيعملوا إيه؟ !!! ربنا يكون في عونا وعونهم.....


بقارن مابين بلدي دلوقتي وبين بعض البلاد العربية في الخليج تحديدا حيث أني مقيم منذ مدة في الأمارات وبصراحة ماشاء الله بجد على النظام والأمان والنظافة والمرور والإحترام والقواعد وكل حاجة جميلة....بقول أن ده إذا كان بيحصل في دولة عربية لسة ناشئة من كام سنة بس وربنا يوفقهم كمان وكمان...طب مش أولى أن ده يحصل في بلدي اللي هيا أم الدنيا وحضارتها اللي علمت العالم كله؟ !!! نفسي يجي اليوم اللي يتعامل فيه المواطن المصري بكل إحترام زيه زي إي مواطن في دولة متحضرة. نفسي يجي اليوم اللى تدخل فيه إي مصلحة حكومية أو حتى قطاع خاص وتخلص معاملتك في خمس دقائق أو عشرة بالكتير. هل ده بعيد في عصر الكمبيوتر والحكومة الإلكترونية...

ربنا يصلح الحال

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

وصف تفصيلي مبسط للانهيار المالي في البورصات العالمية

شرح مبسَّط جداً لأزمة المال الأمريكية
د.أنس بن فيصل الحجي
أكاديمي وخبير في شؤون المال النفط
يعيش "سعيد أبو الحزن" مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية الشهر
حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في "أمرستان"، ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً।
ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟
لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر، فأخبره نبهان أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقهلم يصدق سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة "سهام نصابين" على أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن.
وشرحت سهام لسعيد أنه لا يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عاليةولأن سهام تحب مساعدة "العمال والكادحين" أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولى حتى يقف سعيد على رجليه كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعيد. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا*******
باختصار، اشترى سعيد بيتاً في شارع "البؤساء" دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته॥ فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، بنك التسليف الشعبي، فقد وافق على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه "لحصول كل مواطن على بيت"، وهي العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس رؤساء العشائرمع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية.
وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة*******
القانون لا يحمي المغفلين إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدةوهناك فقرة أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مراتوالأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد.
هذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنواتبعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير وأصبح سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، فاختار الأول، وتوقف عن الدفعفي العمل اكتشف سعيد أن زميله نبهان قد طُرد من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء. مئات الألوف من "أمرستان" عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق العقار*******
أرباح البنك.. الذي قدم قرضا لسعيد.. يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلى المستثمرينالمستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السنداتنعم، استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون!
المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن> باختصار، سعيد يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض، بنك "عماير جبل الجن"، يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت*******
أما سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك "فار سيتي" بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى بنك استثماري اسمه "لا لي ولا لغيري"، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة. سحلول يعتقد أنه يمتلك السيارة، وبنك "فار سيتي" يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك "لالي ولا لغيري" يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله*******
القصة لم تنته بعدبما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير "أ"، وهناك سندات أخرى ستحصل على "ب" وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاءلتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي> في النهاية، توقف سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة.. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين أي آي جيعمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون*******
انهيـار الإقتصـاد الأمريكي..
بداية النهايـة
فضيلة الشيخ / حامد بن عبد الله العلي
نقلا عن موقع الشيخ حفظه الله
لم يخطئ وزير المالية الألماني عندما وصف التدمير الأمريكي للنظام المالي العالمي بقولــه: "إنَّ الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الأزمة المالية العالمية الراهنة التي قال إنهاستخلف آثارا عميقة، وستحدث تحولات في النظام المالي العالمي"।
وقال شتاينبروك في بيان حكومي أمام البرلمان: "العالم بعد الأزمة لن يكون كما كان قبلها"، مشيرا إلى فقدان الولايات المتحدة صفتها كقوة خارقة في النظام المالي العالمي।وألقى شتاينبروك باللوم في الأزمة على عاتق واشنطن فيما وصفها بـحملة "إنغلوساكسونية لتحقيق أرباح كبيرة ومكافآت هائلة للمصرفيين وكبار مديري الشركات" (وكالات)
।وصدق شتاينبروك، فما هي إلاَّ حفنة من الأنجلوساكسونيين الممتلئين جشعا، والمتحالفين مع زمرة صهاينة أشد جشعا منهم، ملاّك شركات عملاقة، سيطروا على أكبرقوة عسكرية في التاريخ، وقد استحوذ عليهم شيطان الربا، واستولى عليهم الطمع بثروات العالم، حتى استهانوا بدماء الشعوب، وأبادوا البشـر، فأورثوا قومهم دار البوار، وأدخلوا العالم في فساد، ودمار।في مقال كتبته قبـل سنوات ـ مع بدايـة إحتلال أمريكا للعراق ـ بعنوان (صدق لاروش، وكذب بوش)، قـلت فيه ما يلي:"لولا هيبة أن أقول بغير علم، لجزمت أن حديث: «يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع» [خرجه أحمد موقوفا، والطحاوي في مشكل الآثار مرفوعا عن بعض الأًصحاب]، أنَّ هذا اللكع هو بوش بعينه، لايعدوه الوصف قيد أنملة.ودعوني استشهد بأقوال رجل ماوجدت أصدق لهجة منه في القوم الأمريكانيين، وهو المرشح الديمقراطي للرئاسة "ليندون لاروش"، وسأعرّف القراء به بذكر نبذة عنه، ثم أنقل كلاما مهمّا مما قاله، يبين الخلفية السياسية التي سبقت مجيء بوش وعصابته محتلين الخليج والعراق عسكريــا:ليندن لاروش: هو أحد كبار المفكرين السياسيين والاقتصاديين، وأكثرهم إثارة للجدل في الحياة السياسية في أمريكا، وهو مرشح ديمقراطي للرئاسة الأمريكية لعام 2004م،
وكان رائد فكرة استراتيجية الدفاع المشترك (Sid) التي سميت فيما بعد بحرب النجوم.وكان الوحيد الذي يطالب برفع الحصار عن العراق قبل الاحتلال الصليبي لها، ومن آراءه توقعه انهيار النظام الإقتصادي العالمي خلال فترة قصيرة جدا، إذا لم يتم عكس السياسات الراهنة، والقضاء على جميع أنواع الربا، والمضاربات على العملات، والأوراق المالية التي حولت الاقتصاد العالمي إلى نادي قمار، وأصبحت كالسرطان تعيش على الاقتصاد الحقيقي.ويشدد لاروش في حملته الانتخابية على أن النظام المالي العالمي وخاصة في الغرب، قد دخل في مرحلة الإفلاس الفعلي بسبب فك الارتباط كليا مابين الاقتصاد الفعلي المتمثل بإنتاج واستهلاك السلع والخدمات، وبين الأوراق المالية المتبادلة في الأسواق العالمية، ويقول: "إن كمية النقد المتبادل في أسواق الصرف، أكبر من كميات إجمالي الناتج المحلي لجميع أمم الأرض بمئات المرات، وهذا يحتــــم إدخال النظام المالي العالمي، في إجراءات إفلاس قريبة".
ولا يرى لاروش في مصلحة الشعب الأمريكي أو الأوربي تدميرأفريقيا، أو آسيا، أو أمريكا اللاتينية ـ كما تفعل أمريكا ـ بل المستفيد الوحيد هم مجموعة بنوك، ومؤسسات مالية سياسية.ويكنُّ كيسنجر وسائر الصهاينة في دوائرالسياسة الأمريكية للاروش عداء شخصيا، خاصة كيسنجر، وأطلق عليه حملة صهيونية لتشويه سمعته بالتعاون مع ألـ Fbi أدت إلى إدخاله السجن لمدة خمس سنين، كاد أن يموت بسبب عمره ـ 70سنة ـ وخرج عام 1994م.ثـم قلت في المقال:وحدد لاروش المصدر الجذري للمشكلة الأخلاقية، والسياسية، باعتبارها الانهيار الاقتصادي العالمي، وما رافقه من تحول المجتمع الأمريكي من مجتمع منتج إلى مجتمع "استهلاكي" طفيلي، وعرض المثلث البياني الذي كان قد عرضه لأول مرة عام 1995، في مؤتمر في الفاتيكان، وحدد فيه طبيعة ارتفاع حجم المضاربات المالية، وكمية النقد المتداول في النظام المالي العالمي، دون أن يرافقه أي نمو في الإنتاج المادي الفعلي للاقتصاد" انتهى المقال.
وها نحن اليوم نشهد ـ وهذا مـن بركات رمضان ـ بداية الإنهيار الإقتصادي الأمريكي الذي وصل إلى درجة أن يطلق محافظ البنك المركزي الأمريكي صيحة إنذار (الموت والهلاك).ولا ريب أن سبب ما أصاب هذه الدولة الأمريكية المارقة، من هذا الدمار الإقتصادي الهائل، إلى جانـب جشعها الربوي العالمي الذي وعد الله تعالى بمحقه، فمحقـه، هو طغيانهـا العظيم، والذي بلغ أن تسلَّطـت على لقيمات الفقراء في البلاد الفقيرة فأخرجتها من أفواه اليتامى، والمساكين، وجرَّدتهم من كلِّ صدقة تأتيهم من الدول الإسلامية، تحت كذبة (الحرب على الإرهاب)، بينما هي أعظم قوة باغية ترهـب العالم بغير حـقِّ.لقد سعت أمريكا لتجمِّـد كلَّ مال ينفق في سبيل الله تعالى، فجمَّد الله تعالى أموالها، ودأبت على إغلاق الجمعيات الخيرية الإسلامية، وملاحقة المتصدِّقين، فأغلق الله تعالى عليها أبواب الـرزق، وقامت ببطـرها، وأشـرها، تصد عن سبيل الله تعالى، فصدَّ الله تعالى عنها سبـل الخيـر.
وجاءت بعد أن عاثت بثروات العالم، وأسواقها، لتسرق ثروات أمة المسلمين بإحتلال العراق، وأفغانستـان، فعاد عليها سعيها ضلالاً، ومكـرها وبالاً.وها نحـن نشهـد في هذه العشـر الأواخر من رمضان، في هذه الأيام المباركة، نشهـد ثالث إشارة لبداية أفـول الهيمنة الأمريكية، فالأولى كانت بإحتلال العراق، والثانية كانت بتدخلها في جورجيا، والثالثة بإنهيار إقتصادها الذي نشهده هذه الأيام.وقد قال الحق سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [سورة الأنفال: 36].وسبحان الله القائل العلي العظيـم: {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} [سورة غافر: 81].

والحمد لله الذي بيده الأمر كلُّه،وإليه يرجع الأمر كلُّه، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو العزيـز الحكيـم.
سقوط قارون العصـر ........ الشيخ حامد العلي

يَعْلَمُ الخبراء الأمريكيون وغيرهم ، أنَّ الأزمة الحقيقية ، والكارثة العظمى ، ليست هي هذا التدهور المريع في الاقتصاد الأمريكي ، الذي أعلـن نهاية حلم القرن الأمريكي الذي جاء به المحافظون الجدد المتصهينون ، ثم مازالوا في سقوط واحــداً تلو الأخر حتى سقطت خزينتهم أخيــراً ، تلك التي أنفقوا منها على مشروعهم ثـمَّ كانت عليهم حسرة.بل في سقوط وهـم الإله الذي سبَّحت بحمده أمريكا ، وطافت حول عرشه ، وسارت كهنتُه في العالـم ، تبشِّـر البشرية بأنَّه المنقـذ الأوحد ، الذي زعموا أنـه إليه إنتهى التاريخ ، وعلى الخلق جميعا أن يعبدوه ، طوعا بقيود العــار ، أو كرها بالحديد والنار !ونعني به هنــا ما وصفه الكاتـب أنتوني فاجولا ، في واشنطن بوست : ( سلب واشنطن أكثر فأكثر السلطة الأخلاقية على نشر إنجيل الرأسمالية غيـر المقيدة) ، الذي كما وصف أيضا : (في العقود الثلاثة الماضية ظلت الولايات المتحدة تقود "حملة صليبية" لإقناع غالبية دول العالــم به ) ؟وقد صـدق الصحفي هوارد لا فرانتشي في مقولته التي نشرتها صحيفة ذي كريستيان ساينس مونيتور الخميس الماضي ، إذ قال : ( إن التصريحات التي انطلقت من أماكن عديدة من العالم ، سواء تلك التي صدرت من إيران ، وفنزويلا ، معتبرة الأزمة نهاية للولايات المتحدة كقوة عظمى , أو البيانات المتحفظة من القادة الأوروبيين بانبلاج عهد جديد متعدّد الأقطاب, كلُّها توصلت إلى نتيجة مفادها أنَّ بنية القوة العالمية المستندة إلى الهيمنة ، والزعامة الأميركية ، تعيش حالة من الفوضى ، ولن تقوم لها قائمة مرة أخرى). وذكر في المقال أنَّ هذه النتيجة تتفق مع التكهنات بتضاؤل القوة الأميركية عالميا, وهي تكهنات نبعت من احتلال الولايات المتحدة للعراق.إنَّ الكارثة العظمى التي حلَّت على أمريكا ، هـي هـويُّ صنمها ، وسقوط الثقة به ، وبأنَّ لديها ما تقود به العالـم ، إنـَّه بإختصـار : بداية أفول حضارتها الزائفة.والأدهى والأمر أنَّ هذا حـدث ، وشهـود الأرض كلهم يشيرون بإتجاه واحد إلى أن سبب هذا الدمار العالمي ، هـو أمريكا ، شهادة واحدة متَّحــدة : أنـتم سبب هذا الفساد العظيم الذي حصل في الأرض .ولسان حالهـم يقول : لقد قدتـم العالـم زاعمين أنّكـم ستعجلونه أكثر أمنـاً ، فغدا أشـدّ خوفاً ورعبـاً ، وأنـَّكم ستصيرونه أكثر استقراراً ، فأصبح أعظم اضطراباً ، وأنَّـكم ستصنعون عصـر الرفاه تحت ظلال العولمـة ، فأدخلتم العالـم بالداهية الدهياء ، والمصيـبة العمياء ، فدمَّرتـم ما بناه الإقتصاد العالمي في عقـود ، بجشعكم ، وعبادتكم للمادة ، وإنعدام الشعور بالمسؤولية.ولقد غدا كلُّ شيء واضحا لذوي البصيرة ، فقـد تحطمت غطرسة القوة الأمريكية بيد من احتقرتهـم في أفغانسـتان ، وسخرت منهـم في العراق، ولازالت عاجزة أن تعلن النصـر ، ولازالت خائفة ممـا ستلقـاه لو بقيت ، أوتراه إذا هربـت. ثم ظهر جميع نفاقها على العالم ، وعرفها الناس كلُّهم على حقيقتها ، وسقطـت سمعتها في دعواها أنها تحمل شعلة الحرية ، وحقوق الإنسان .ثم أخيـراً تهاوى إلهُهــا الرأسمالي القائم على الربــا والجشع ، الذي كانت تحمل عرشـه على أكتافها ، وتطوف به العالم ، وتُسخِّـر الناس له .لقـد هُزمـت القوة ، وسقطت الأخـلاق ، وتهاوت القيـم ، فأيُّ شيء بقي في الحضارة ؟!لقـد تبخَّـر كلُّ شيء في لمـح البصـر كما وصف الله تعالى : ( أمليت لها وهي ظالمة ، ثم أخذتها وإلي المصيـر ) ولم يكن بين انطلاق إعلان الحملة الصليبيَّة ، لإستهداف الإسلام ، وبيـن هذه النتيجة سوى سبع سنيـن !لقد سقط قارون العصـر ، الرأسمالية الأمريكية ، كنـز كنوز الأرض : ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ).وخسف الله به ، من حيث لم يحتسـب ، وكان يُعرض مستكبـرا عن نصيحة الناصحين : أنْ لاتبـطر في الأرض ، وأحسن إلى الناس ، ولا تفسد. (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين )فكان يستكبـر ، ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) ،وينسـى أنَّ سنـة الله تعالى ، أن يهلك الطغـاة ، ويجعل المجرمين عبرة،ولكن بعد إمهالهـم : ( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ ، مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) وجـاء تائهـا من آخر الأرض ، يمشى بأساطيله بطــراً ، يهريق الدماء ، ويقتل الأبريـاء ، ويحتل الشعوب ، ويرهـب القلـوب .وقـد اغتـرَّ الجاهلـون بظاهر قوِّتـه ، ، وانبهروا بكنوزه وعظمتـه : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ، قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا : يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ، إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ ).وثبت الذين أوتوا العلم ، فحذَّروا الناس من السيـر وراء هذا الصنـم المزيَّـف، والإغتـرار بما يقوله كهنـتُه ، وسدنـتُه : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ ). ثم جاء وعيد الله تعالى، فبـدا الخلــق كلُّهم عاجزين عن إنقاذ قارون العصـر ، وهـم في حيـرة ، ودهشـة ، كيف خسف الله به ، فلم يكن لـه وليُّ ينصره مــن بأس الله تعالـى ؟! : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ).والعجب أن هذا الخسـف إنما حدث بيد أمة الإسلام ، التي لها الفضل على البشرية ، بما تحمـلته من دماء ، وأشلاء ، ودمار ، وتضحيات ، لتوقـف عجلة هذا الصنـم ،وتحطـم طغيانـه الذي ذاق العالم كله ويلاتـه.ثم هي بعد ذلك مجحودٌ فضلها ، مكذوبٌ سعيها ، محتقـرٌ إنجازها !! هذا ..ولايخفى أنَّ هذا الحدث المهول الذي دهـم العالم هذه الأيام ، لايعني أنَّ أمريكا ستنتهي وتختـفي ، بل هـي بداية تغيـر استراتيجي على المشهد العالمي ، سينتج منه ما يلي : نهاية التسيُّد الأمريكي الإقتصادي والسياسي وإلى الأبد. ولادة نظام عالمي متعدِّد القطبية.دخول الكيان الصهيوني في مرحلة عصيبة ، تؤذن بقرب نهايته.تغيرات سياسية كبيرة في النظام العربي .وأنَّ هذا سيحدث بالتدريج على مدى عقد من الزمن ـ والله أعلم ـ فإنْ كتـب الله تعالى لنا حيـاةً بعد ذلك ، فسنشهد ـ والله أعلم ـ تغيرات كبيرة ، بعض صورهـا : عودة حركة طالبان ، وتغير جذري في باكسـتان ، ومواجهـة إسلاميـة واسعة للمشروع الصفوي ينتهي بفشله ، وبروز حالة إسلامية شاملة ، تتحول إلى نهضة منظمَّة ، فميلاد كيان سياسي إسلامي منافس عالميـَّا .وسواء قرت أعيـننا بهذا الأمـل ، أم شهـده من بعدنــا ، فنسأل الله تعالى أنْ يكتب لنا أجـر حبِّنـا لعودة الإسلام ، وفرحنا بيوم نرى فيه عـزَّ المسلمين ، أمـّا الإسهام في صنعه ، فنحن أحقـر من ذلك ، وأقـلُّ شأنا ، غير تعلقنا بأمـل أنَّ المرء مع مـن أحب يوم القيامة ، وما خاب من كان أمله بالله تعالى ، وحسبنا الله ونعـم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصيــر